زواج المسيار في امريكا , زواج المتعة في امريكا

يمثل مصطلح الفوضى الخلاقة أحد أهم المفاتيح التي أنتجها العقل الاستراتيجي الأميركي في التعامل مع قضايا الوطن العربي، حيث تمت صياغة هذا المصطلح بعناية فائقة من قبل النخب الأكاديمية وصناع السياسة في الولايات المتحدة، فعلى خلاف السائد لمفهوم الفوضى المثقل بدلالات سلبية أضيف إليه مصطلح آخر يتمتع بالإيجابية وهو الخلق أو البناء، ولا يخفى على أحد خبث المقاصد الكامنة في صلب مصطلح الفوضى الخلاقة بغرض التضليل والتمويه على الرأي العام العربي والعالمي.


وهو ما عبر عنه مشروع "التغيير الشامل في الشرق الأوسط" الذي أعده مايكل ليدين - العضو البارز في معهد أميركا انتربرايز عام 2003، وارتكز المشروع على منظومة من الإصلاحات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية الشاملة لكل دول المنطقة، وَفقًا لإستراتيجية جديدة تقوم على أساس الهدم ثم إعادة البناء، بدأت الإدارة الأميركية في تفعيل المشروع منذ العام 2007 وردده كبار مسئوليها الذين كانوا بحاجة إلى أدوات لتنفيذ المخطط وإلى عرابين للترويج له ولم يكن أفضل من قطر وتنظيمات الإخوان المسلمين في مصر وتونس وسوريا.
 
مما يؤسف له أن هذه الحركات الإسلامية التي ترفع شعار الإسلام، أصبحت ما بين المتلذذ بالحضن الأميركي، أو المتلهف على زواج المتعة معه، والتي ترى من التبعية لأميركا العمود الفقري في سياساتها، والأهداف التي تطمح في الوصول إليها.
 
تشير السوابق التاريخية إلى أن الجماعة منذ أن تم اختراقها فرطت في مبادئها وهجرت وطنيتها وعروبتها وأدمنت عقد الصفقات ونامت مع الخيانة في سرير واحد وكان المبدأ الذي تعلمته هو أن مصلحة التنظيم الإخواني مقدمة على مصلحة الوطن.
 
لم يعد خافيا على أحد أن حركة النهضة مثلا ترتبط بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، ومن الواضح أن هذه العلاقات لم تتشكل في العامين الأخيرين بعد اندلاع الثورات العربية بل هي علاقات قديمة وخير دليل زيارات السفير الأميركي الشخصية للسيد حمادي الجبالي في بيته منذ 2009 أو التردد الدائم للقيادي زياد الدولاتي على السفارة الأميركية منذ سنة 2005، بل إن عددا من السياسيين والمفكرين يؤكدون أن الولايات المتحدة هي من ساعدت جماعة الإخوان على الوصول إلى مقاعد الحكم في دول الربيع العربية وبخاصة في مصر وتونس.
 
من هؤلاء كان المفكر العالمي نعوم تشومسكي الذي أكد "إن الولايات المتحدة ستقبل التعايش مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر وتونس إذا كان ذلك يحقق مصالحها"، مشيرا إلى أنها لا تهتم بالصراع مع الأديان بقدر اهتمامها بمصالحها. وأضاف "واشنطن قد تقبل بالتعايش مع جماعات الإخوان المسلمين إذا تبنت الأخيرة السياسات (النيوليبرالية)" مشيرا إلى وجود مصالح معهم، لأنها لا تجد مشكلة في التحالف مع أحد إذا كان ذلك يحقق مصالحها.
 
وأشار تشومسكي أن القوى الغربية المتحالفة مع الولايات المتحدة لن تسمح بانتشار الديمقراطية في البلاد العربية لأنها تتعارض مع مصالحها، وأنهم سيستمرون في دعم الديكتاتوريات الناشئة في العالم العربي، وذلك لأنهم يعلمون أن الرأي العام في البلاد العربية يرفض ويعارض السياسات الغربية والأميركية.
 
فالإدارة الأميركية وبسبب بحثها عن مصالحها وليس من أجل تحقيق الحرية والتقدم في البلدان العربية والمسلمة قد تكون صديقة ودودة لطرف ضد طرف آخر ثم نجدها تنقلب رأسا على عقب فتعادي صديقها السابق وتصادق الذي كان عدوها في الأمس مثل ما كانت تصادق وتدعم جماعة القاعدة في أفغانستان أيام الثمانينيات من القرن الماضي من أجل أن تكون أداتها التي تحارب بها الاتحاد السوفيتي السابق ثم أصبحت هذه الجماعة عدوتها في حربها المزعومة ضد الارهاب في بداية القرن الحالي. كما أنها كانت تساند الأنظمة العربية ضد جماعة الاخوان كونها تعتبرها من الجماعات الداعمة للإرهاب وها هي تساند وتدعم جماعة الاخوان في بلدان الثورات العربية وغيرها من البلدان العربية من أجل الوصول للسلطة.
 
للضرورة أحكام وإلا كيف للإدارة الأميركية مساندة الإسلاميين وهي منذ وقت قريب تناقش ما إذا كان العدو الأول لأميركا هو الصين أم الإسلام؟
 
التنظيمات الإخوانية تريد من أميركا أن تشق لها طريق السلطة، فماذا تريد أميركا من هذا التعاون.
 
لأميركا هدفان الأول أمن إسرائيل وضمان مستقبلها عن طريق ترسيخ معاهدات السلام بين العرب وإسرائيل. والثاني هو مقاومة الإرهاب الذي يستهدفها ويهدد أمنها الداخلي والخارجي.
 
الإسلاميون "المعتدلون" هم الأقدر على ذلك. فأميركا لا يزعجها ان تقتصر "إسلامية" النهضة أو الإخوان على ارتداء زوجة الرئيس للحجاب، طالما أن التزاماته تجاه الحلف الأميركي مستوفاة، والاتفاقيات العسكرية والأمنية والاقتصادية محترمة، وبالتأكيد لن يزعجها ان تقتصر "إسلامية" بعض القوى على إطالة اللحى إذا ما ارتضوا الارتباط بالأطلسي، واتخذوا موقفاً حيادياً من العدو الاسرائيلي كحد ادنى.
 
هذه هي الأوراق التي يستطيع الإخوان تقديمها لأميركا ثمناً للسلطة. وعند رفضها يجف الدعم وينتهي دور الإخوان في نظر أميركا بإظهار فشلهم في تقديم الحلول المطلوبة وينفض الناس من حولهم ويسهل التخلص منهم كما تتخلص من كل أصدقائها عندما تنتهي مهامهم وهو ما يتهددهم اليوم خاصة بعد طرح مشروع تجريم التطبيع في الدستور التونسي وردة الفعل الأميركي وتراجع النهضة وتبريرها الغبي للشعب.
 
الذين يظنون أن ما صنعته أميركا بالعراق من احتلال وتقسيم وما جرى في السودان من تقسيم له دوافع وأسباب مصطنعة، وما يجري في سوريا وعموم المنطقة العربية من أحداث مأساوية وفوضى، أمرًا مفاجئًا جاء وليد الأحداث التي أنتجته، ولكن الحقيقة الكبرى هي أن ما يحدث الآن هو تحقيق وتنفيذ للمخطط الاستعماري الذي خططته وصاغته وأعلنته الصهيونية والصليبية العالمية، لتفتيت الوطن العربي والعالم الإسلامي من خلال سياسات واستراتيجيات ومشاريع باتت مكشوفة للعالم وان تغيرت بنودها وتوقيتات طرحها، فهي تستهدف القضاء على الإسلام وتجزئة الوطن العربي والاستحواذ على ثرواته ومقدراته والتحكم فيه حاضرا ومستقبلا وتحويله إلى فسيفساء ورقية يكون فيها الكيان الغاصب السيد المطاع، واستهداف الأمة والوطن ومستقبل مواطنيها وحضارتهم وخاصة الشباب الذين هم عماد الأمة وصانعو قوتها وحضارتها ونهضتها، والذين يتعرضون إلى محاولات عمليات غسل دماغ خطيرة بهدف تغيير قاعاتهم وخداعهم وتضليلهم.
 
الإسلام في الجوهر ضد القهر والذل والطغيان الخارجي، وليس هناك أسوأ من طغيان وجبروت النظام الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة، فهو الذي يحتضن الكيان الصهيوني مغتصب أرض فلسطين، ومحتل قدسها، وأميركا نفسها التي غزت العراق واحتلته ودمرت كيانه السياسي، ومزقت نسيجه الاجتماعي، وأشاعت ثقافة القتل، وأميركا نفسها هي التي تحيك كل المؤامرات ولها مآرب عدوانية في سوريا ولبنان والسودان وليبيا، وفي كل مكان من الوطن العربي.
 
أي إسلام هذا الذي تركبه هذه الحركات، والتي تجاهر بالصداقة مع أميركا والتحالف معها، تحت شعار تلعب سياسة، وأي سياسة هذه التي تتجاوز الثوابت؟ وتدوس على كل القيم والمحرمات، فهل انقلب الإسلام السياسي على الإسلام؟ كما انقلب اليسار الطفولي على اليسار الحقيقي، وهما يتسابقان لتكون كعبتهم واشنطن ودينهم دولارهم.
 
اليوم يرفع الإخوان شعارات إسلامية، في حين ينخر فساد العمالة الإقليمية والشعوبية والطائفية زعماءهم.
 
الإسلام السياسي أصبح من حصة الولايات المتحدة على مستوى الأنظمة والمنظمات، وأصبح الجميع مدجن لخدمة الإدارة الأميركية، وهو ما يتعارض مع جوهر العقيدة، التي جاء بها اطهر خلق الله محمد، ولهذا فلم يعد جمهور المسلمين يثق بهذا النوع من السياسات التي تريد حرف الدين عن توجهاته الحقيقية ولم يعد رفع الشعارات يسمن أو يغني من جوع، فالإسلام دين عمل وفعل في ممارساته،والفعل والعمل ما يخدم الناس وليس ما يخدم أعداء الناس. لأنه ليس هناك أكثر شراسة من العداء للإنسانية، ما تمارسه الامبريالية الأميركية والصهيونية العالمية، فلماذا كل هذا التكالب على صداقتها، وإقامة زواج المسيار معها؟، وهي التي تحتل أرضنا، وتنكل بمواطنينا، وتنهب ثرواتنا، وتقف إلى جانب أعدائنا.
 
الإسلام السياسي اليوم يجرم في حق الإسلام والمسلمين، في التلذذ بالنوم في الحضن الأميركي، أو الركض وراء زواج المتعة منه، لأنه يشوه الإسلام وحقيقته، ويطعن المسلمين من الخلف، في خيانة حقوقهم، والادعاء بأنه يتنطع للدفاع عنهم، وهو يخونهم في دينهم ودنياهم.
عدد الزيارات
7465

مقالات مشابهة

إضافة تعليق
اسمك :
الإيميل :
رمز التحقق ، أدخل الأرقام الظاهرة :