ارغب بزواج مسيار , زواج المتعة

"زواج المتعة".. ينظم الفوضى الجنسية أم ينشرها بغطاء ديني وأخلاقي؟


 
يكثر الحديث عن زواج المسيار  ويدخل سوء فهم أسس هذا الزواج المؤقت في ذهنيات العديد من شرائح المجتمعات الشرق أوسطية. فتعتبره بعض النساء انتهاكاً لكرامتهن ويرفضه معظم الشباب على أخواتهم أو أمهاتهم حتى لو قبلوه على أنفسهم. ويدخل الاستغلال لهذا الزواج من بابه الواسع، فيحكى عن لوائحٍ يمتلكها بعض رجال الدين تضم أسماء نساء تجوز عليهن شروط "المتعة". ويحكى عن نساءٍ يقمن باستغلال زواج المتعة لأغراضٍ مادية، كما يحكى عن رجالٍ متزوجين يمتعون انفسهم بزوجات أخريات خارج زواجهم الدائم، كما تُجبر بعض النساء، في بعض الحالات، على الاجهاض خوفاً من الفضيحة الاجتماعية وخوفاً من تنصل الأب من أداء واجباته الشرعية.
وتصرُّ بعض الطوائف الاسلامية على الدفاع عن "زواج المسيار " الذي تعتبر فيه حلولاً لحالات استثنائية، بينما تحرم طوائف أخرى هذا الزواج بذريعة الحفاظ على القيم الاجتماعية وحفظ المجتمعات من الانسياب وتهديد مؤسسة الزواج الدائم..
كل هذه التداعيات تطرح علامات استفهام عديدة، بدأ من أحكام زواج المتعة وصولاً الى أسباب تحريمه عند بعض المذاهب الاسلامية، لا سيما السنية على وجه التحديد..
وتختلف المذاهب الاسلامية حول شرعية "زواج المتعة". وفي هذا الخصوص، عبر إمام "المركز الاسلامي في أميركا" السيد حسن القزويني، عن الرأي الشرعي. ومن ناحيته، نقل إمام "المركز الاسلامي الأميركي" الشيخ محمد مارديني، رأياً آخر. وجاءت هذه الطروحات متناقضة من حيث المبدأ، فبعضها أقرب الى المثالية في تطبيق الأحكام الشرعية والبعض الآخر يتعامل مع الواقع والحاجات الجسدية على أنها جزء لا يتجزأ من تكوين الانسان، ورأى المقتنعين بزواج "المتعة" حلاً قد يردع الانسان عن الوقوع في الزنا أو المعصية..
 
الجنس حاجة كالأكل والشرب
يعتبر أيمن، 29 عاماً، من ديربورن هايتس، أن "زواج المتعة" يخلق توازناً في المجتمع، خصوصاً في المجتمعات التي تكون فيها أعداد النساء أكثر من اعداد الرجال. ويقول: "أنا مع الزواج المؤقت وأجد فيه نوعاً من العدالة الاجتماعية، فالشاب الأعزب اذا لم يستطع الاقدام على الزواج الدائم، يجد في "المتعة" حلاً  للمسائل الجنسية التي ان لم ينفس عنها قد تخلق له مشاكل نفسية". ويضيف: "لم يعد الاقدام على الزواج الدائم أمراً سهلاً كالسابق، فيتأخر سن الزواج لأسباب مادية. ويأتي الزواج المؤقت ليحل مشكلة الحاجات الجسدية التي تعد حاجات أساسية تماماً كالأكل والشرب. ونعم، أنا أرضى هذا النوع من الزواج لأمي وأختي في حال تطابق حالتهن مع القوانين الشرعية لـ"زواج المتعة"، وفي نهاية المطاف هذا امر يرجع لهن".
 
خلاف على "زواج المتعة"
بالنسبة الى أصل تشريع "زواج المتعة"، فلا خلاف بين الفقهاء المسلمين، سنة وشيعة، حول تاريخية الزواج المؤقت الذي يعود الى عهد الرسول محمد (ص). وقد تم تشريعه في الآية 24 من سورة النساء: "فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن..". ولكن الخلاف وقع بينهم في قضية استمرار شرعية هذا الزواج الى يومنا هذا.
يقول السيد القزويني: "الخلاف وقع بين المسلمين لاعتقاد بعض المذاهب الفقهية أنه تم نسخ زواج المتعة. فأخوتنا السنة يعتقدون أنه تم نسخ هذا الزواج بعد معركة خيبر، وأما الشيعة فيقولون انه لم يثبت هذا النسخ بدليل قاطع، وعليه ففي مدرسة "أهل البيت"  يعتبر "زواج المتعة" زواجاً شرعياً معترفاً به".
أما الشيخ مارديني فيقول "في زمن الرسول كان هنالك أكثر من عشرة انواع من الزواج، ويدخل فيها الزواج الدائم وزيجات أخرى كانت قد أبيحت لظروف استثنائية كالمرض أو السفر أو العاهة أو الحرب.. وتناولت المراجع الفقهية هذه الزيجات بالتفصيل. وزواج المتعة هو أحد هذه الزيجات التي أباحها الرسول محمد (ص) عندما كان صحابته في الحرب". ويضيف: "نحن نعرف ان حلال رسول الله حلال الى يوم القيامة وحرامه حرام الى يوم القيامة، ولكن هنالك أمور في الشرع قد أُُخذ في تحريمها تدريجاً الى ان وصلت الى الحرمة الكاملة كالخمر وغيرها. وجاء عمر رضي الله عنه ونهى عن هذا الزواج وكذلك فعل الامام علي عليه السلام".
وهنا يشير القزويني الى حديث منسوب الى الامام علي جاء فيه: "لولا نهي عمر (عن زواج المتعة) لما زنى الا شقي". ويقول القزويني: "المجتمعات التي حرمت زواج المتعة لم تقضي على العلاقات الجنسية التي تتم خلف الستار، وهي بالتالي لم تقضي على ظاهرة هذه العلاقة بل زادتها تعقيداً".
 
 شروط  "زواج المتعة"
يعرّف السيد القزويني "زواج المتعة" بأنه الزواج المنقطع أو المؤقت الذي له مدة محددة وليس دائماً. ومن شروط هذا الزواج "العقد المشتمل على ايجاب وقبول لفظين وتأتي في الصيغة التالية: زوجتكَ نفسي على المدة المعلومة وعلى المهر المعلوم، ويقول الزوج قبلت. وهذا الزواج لا طلاق فيه، بل ينتهي بانتهاء المدة أو تنازل الزوج عنها، ولا يترتب عليه توارث بين الزوجين ولا تجب فيه نفقة الزوج على الزوجة. ويشترط فيه أن تكون المرأة غير متزوجة، كما لا يجوز أن تكون في عدة الطلاق أو الوفاة. كما يشترط ان تكون المرأة اما مسلمة أو كتابية، أي مسيحية أو يهودية. واذا نتج عن هذا الزواج أولاد، فهم أولاد شرعيون لا فرق بينهم وبين المولودين من زواج دائم من حيث الحضانة والنفقة الى غير ذلك".
اما بالنسبة للفتاة العذراء فيقول السيد القزويني: "الأكثرية الساحقة من الفقهاء المسلمين لا يجيزون ذلك، استناداً الى بعض الروايات، اذ انهم يجدون في ذلك عنواناً شرعياً أو عرفياً يستدعي التحريم كي لا تستشري سهولة هذه الممارسة.. وهنالك أحاديث لا تحبذ للرجل المتزوج عقد "المتعة" لأنه متزوج وعليه تقوم واجبات اتجاه زوجته وأطفاله. وبشكل عام الزواج المؤقت موجه الى من لا يتمكن من الزواج الدائم".
 
النساء كالبيض..
"أم محمد"، مطلقة منذ ثمان سنوات، تعيش في ديربورن هايتس، تتحدث عن تجربتها بالقول: "أكثر الرجال الذين يعترضون سبيلي هم رجال متزوجون. وأنا أعتبر أن هذا الزواج حلال الا أنني لا أرضاه على نفسي. وأعتبره أصعب من الوقوع في الطلاق، بحيث أشعر أنني رهينة الحاجات الجسدية على حساب كرامتي وكبريائي. فلا يمكنني أن أقبل ببناء علاقة لمجرد تلبية حاجة جسدية. ولذلك فالصوم عن الرغبات يحميني من الشعور بالدونية". وتضيف: "هنالك نكتة كانت أمي ترددها على مسمعي لأخذ العبرة. في احدى المرات قامت امرأة متزوجة بسلق 20 بيضة ولونت البيض بألوان مختلفة، الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق.. وقامت بتقديم البيض لزوجها على مدار أسبوع. وكانت في كل مرة تقول له أن يختار من البيض الملون. عجب الرجل لأمر زوجته، ففي كل مرة يختار فيها بيضة برغم اختلاف لونها كان يجد في داخلها بيضة بالطعم ذاته! ولم يفهم مراد زوجته التي واجهته بالقول النساء تماماً كالبيض"!.
 
هل يرضاه الشرفاء لبناتهم؟..
يرفض الشيخ مارديني زواج المسيار و"الزواج العرفي" ويعتبرهما زواجين يصبان في نفس الخانة مع "زواج المتعة"، الفرق الوحيد هو وجود الشاهديّن السريّين. ويطرح التساؤلات التالية: "ما هو زواج المتعة بالتحديد؟ هل هو فقط للاستمتاع؟ هل نحن نستخدم المرأة في هذا الاطار الاستغلالي؟ هل يجوز حصر هذه الزيجات بالعلاقة الجسدية بين المرأة والرجل ونكران العلاقة الروحية والعاطفية والانسانية التي تجمعهم؟ هل يرضاه الشرفاء لبناتهم وأمهاتهم وأخواتهم وعماتهم وخالتهم؟". ويعتبر الشيخ مارديني أن "زواج المسيار" لا يتلائم مع الواقع من الناحية الانسانية، ويقول: "كيف لنا ان نرى امرأة قد تزوجت متعة بهذا الرجل ثم انتقلت بعد فترة لتتزوج بآخر.. كيف تشعر هي بنفسها"؟ ويضيف: "يعزي البعض وجود الحاجة  لزواج المتعة لفئات معينة من الناس كالأرملة والمطلقة والطالب. الا أن هذه الأرملة ان تيسر لها وصبرت قد تجد من يقيم معها علاقة شمولية وزواجاً دائماً بدل العلاقة المنقوصة. ويقول الرسول، من استطاع منكم البائة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم".
 
لنكن واقعيين
يرى السيد القزويني أن البعض يستعمل أسلوب غير علمي للتحريض على أصل زواج المتعة وعلى نبذ المتعة، فيقولون لو كان لك أخت، هل تسمح لها بأن تتزوج متعة؟ ويعتبر أن هذا السؤال فيه نوع من المغالطة، ويجيب على ذلك: "اذا كانت أختي قادرة على أن تتزوج زواجاً دائماً فأنا لا أرتضي لها زواجاً مؤقتاً. فلا شك أن الزواج الدائم هو أولوية ولكن هنالك حالات استثنائية كوفاة زوجها أو طلاقها ما قد يجعل حظوظها في الزواج الدائم قليلة". ويضيف: "لنكن واقعيين، القوانين الشرعية الاسلامية لم تفصّل لكل فرد من أفراد المجتمع بذاته وانما شرعت لتنظر وتأخذ في مصلحة المجتمع بشكل عام. والاسلام، خصوصاً في مذهب "أهل البيت"، هو دين عقلاني وعملي لا ينكر وجود الحاجات والرغبات التي أوجدها الله في جسم الانسان. وعدم مواجهة هذه المشاكل لن تلغيها بل ستستفحل اكثر".
 
متزوج من 105 نساء
يتباهى ابراهيم، 35 عاماً، من ديربورن، في سرد رواية أحد أجداده الذي كان يعيش في جنوب لبنان ويقول: "يحكى عن جدي أنه تزوج من 105 نساء بالمتعة، وقد يبدو الأمر مبالغاً فيه الا أنه حقيقة. فلم ينم جدي ليلة واحدة أعزب، وبحكم عمله التنقلي كان يبيت في قرى ومدن مختلفة كل ليلة وكانت النساء تعرض نفسها عليه. توفي جدي في عمر 96 وله 26 ابناً وابنة وأربعة زوجات دائمات". ويضيف: "آهٍ يا جدي، نحن اليوم نعيش أزمة الالتزام بالزواج من امرأة واحدة، ولا نعرف كيف نفي بالتزاماتنا به".
 
أبناء المتعة منبوذون
تروي سعاد، 30 عاماً، وتعيش في ديربورن، قصة ابنة عمها المولودة بالمتعة. وتقول: "تبلغ ابنة عمي 16 عاماً اليوم ويتعامل معها أخوتها بنبذٍ ودونية بالرغم من زواج والدهم لأمها بعد أن حصل الحمل. فهي كما نعلم فتاة شرعية مئة بالمئة، الا أن المجتمع الذي نعيش فيه لا يرحم ويلصق العار بكل ما هو خارج عن العادات المتعارف عليها". وتضيف: "أشعر بالأسى لابنة عمي، فهي فتاة لم ترتكب أي خطأ كي تعامل على أنها ناقصة. فحتى المجمتع من حولها ينظر لها على أنها فتاة متعة. وهنا أتساءل، ما مصير هذه الفتاة حين تصبح في السن الملائم للزواج، وهل ستجد الرجل الذي يتعامل معها بنديّة أم أنه حكم عليها بالظلم مدى الحياة؟".
 
نعم.. الاستغلال واقع
يدعو الشيخ مارديني الأجيال الصاعدة الى الالتزام بالزواج الدائم، فالرجل الذي يتزوج امرأة بالمتعة لن يتزوجها زواجاً دائماً بعد ذلك. ويؤكد على أن مبدأ تحريم "زواج المتعة" هو مبدأ اجتماعي جاء للحفاظ على الأنساب والكرامات وشرف البنات والأبناء. ويقول: "الشرع حكيم في سن القوانين وهدفها احالة الانسان الى عيش حياة كريمة ونظيفة بعيداً عن كل هذه المناقصات. فبدل أن نجد طرقاً ملتوية لتشريع زيجات سرية، يمكننا انشاء صناديق اعانة لمساعدة أبنائنا وبناتنا على الزواج الدائم وتحصينهم من الوقوع في متاهات المعصية والخطأ".
من ناحيته، يرى السيد القزويني أن هنالك سوء استغلال لـ"زواج المتعة"، ويقول: "الناس تستغل الكثير من الامور، وهذا لا يعني ان ما يُستغل هو باطل. فهنالك من يستغل الزواج المؤقت بصورة بشعة يصل فيه الاسفاف الى درجة مقيتة". ويرفض القزويني تحويل زواج المتعة الى باب رزق عند بعض النساء ومن تحويل أي جسد الى سلعة. فالشرع كان واضحاً من حيث فرض الشروط الشرعية على هذا الزواج الذي يجب أن لا يصطدم مع السائد اجتماعياً. فيتحمل كل من المرأة والرجل واجباتهم الشرعية في هذا الخصوص وتخضع هذه الزيجات لمبدأ الضبط والانضباط كي لا تتحول المسألة الى فلتان تحت غطاء ديني".
 
ليست العمامة مقياساً
وبالنسبة للحديث عن وجود لوائح متعة عند بعض رجال الدين يقول السيد القزويني: "لا يوجد رجل دين محترم ومعترف به في هذه الجالية يقوم بهذا العمل، وأغلب الظن أنها إشاعة لا اساس لها من الصحة. ولكن اذا صح الكلام،  فأنا لا أعدّ من يقومون بهذه الأعمال رجال دين. كما أن مقياس رجل الدين ليس العمة على الرأس بل التحلي بخلق الدين". ويضيف: "هنالك من يحسب نفسه زوراً على فئة رجال الدين، وآسف جداً ان يكون هنالك نوع من التسيب في ضبط هذه الظاهرة، وهؤلاء المدّعين هم تجار وطالبي أموال وليسوا رجال الدين".
 
هنادي: حقي الشرعي
تجد هنادي، 41 عاماً وأم لأربعة أولاد، في زواج المتعة قضاء لحاجة ضرورية في الحياة. وتقول: "لا عيب في الدين وفي الاحكام الشرعية وأجد في زواج المتعة حلاً لظرفي الصعب. توفي زوجي منذ سبع سنوات، وأنا في عز عطائي وشبابي. ماذا أفعل اذاً؟ ومن هو الرجل الذي سيقدم على الزواج من أم لأربعة أولاد؟". وتضيف: "مجتمعنا ظالم في نظرته الى الأرملة والمطلقة ولكنه من ناحية أخرى حكيم في حفظ حقوقها ومراعاة ظروفها الاستثنائية. والله شرّع تلبية الحاجات الجسدية ضمن حدود شرعية، وانا لن أرفضها".
 
خاتمة
يقف الشباب أمام وعورة التحديات الفيزيولوجية، وكيفية تلبية هذه الحاجات، الجنسية بصورة أساسية؟ فالحل يكون أحياناً من خلال الغطاء الديني الذي يستوعب العلاقات الجنسية كـ"زواج المتعة". وهو زواج يقع في حالات استثنائية يحددها الشرع ويسمح بها. وما قد يبدو فلتاناً من القيم والضوابط التي حددها الشرع في خصوص هذا الزواج، انما هو تدنيس للشرع وتسليع للجنس الذي يفقده بعده الروحي ويطرد من العلاقات الجنسية الحب والألفة والسكن النفسي بين الطرفين. وما أكثر ما يحدث هذا في أيامنا هذه، فاستغلال بعض النساء "زواج المتعة" ليصبح باب رزقهن  انما هو ممارسة للدعارة والمشارك في شراء هذه السلعة أيضاً يشارك في الجريمة وفي تشويه صورة الشرع وأحكامه التي خطت حدوداً للزواج المؤقت.. وتبقى المسألة قضية خلافية بين المذاهب الاسلامية الفقهية وبين شرائح المجتمع الواحد باختلاف انتماءاتهم العقائدية وخلفياتهم الثقافية.
عدد الزيارات
8299

مقالات مشابهة

إضافة تعليق
اسمك :
الإيميل :
رمز التحقق ، أدخل الأرقام الظاهرة :