ابغا زواج تعدد , تعدد الزوجات

الحمدلله الذي أباح لعباده الزواج مثنى وثلاث ورباع، والصلاة والسلام على خير من طبق هذا التشريع وأفضل من عدل فيه. أما بعد:


فإن الله لا يشرع شيئاً إلا وفيه الصلاح والنفع للخلق، فالله سبحانه وتعالى حكيم خبير، بعباده روؤف رحيم. وكذلك الرسول ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، فقوله حق وفعله كذلك، لأنه لا يعمل عملاً ما إلا بأمر من الله تعالى ولا يقر شيئاً يراه من أحد أصحابه إلا بأمر من الله، ومن ذلك تعدد الزوجات، فقد شرعه الله عز وجل وأباحه لحكم باهرة وغايات نبيلة وأهداف سامية، تطهيراً للمجتمع من الفساد واستبعاداً للرذائل وأماناً من القلق وحفظاً للحياة، كي تبقى سليمة من أدارن الأمراض ونتن الفواحش والآثام، لأن زيادة عدد النساء بلا أزواج مدعاة لانتشار الفسق والفجور والفاقة والأمراض الجسمية والنفسية من القلق والحيرة والشعور بالوحشة والكآبة وغير ذلك.

وليتصور كل واحد أخته أو ابنته إذا فاتها قطار الزوجية لسبب من الأسباب.. أو لنتصور حال تلك الأرملة أو المطلقة التي كان من قدر الله تعالى عليها أن تصبح كذلك فمن سيقدم على الزواج من تلك النساء؟! هل سيقدم عليهم شاب في مقتبل عمره؟ وماذا لو أن الله لم يشرع التعدد ماهو مصير أولئك النسوة اللاتي ينتظرن نصف أو ربع رجل؟ فلهذا يتبين أن التعدد هو لصالح المرأة أولاً قبل أن يكون لصالح الرجل وأنه ليس ظلماً للمرأة كما يظنه البعض، فالذي شرع التعدد هو الله - سبحانه وتعالى - الذي يقول في الحديث القدسي: { ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا } [رواه مسلم].

أيمكن أن يحرم الله الظلم ثم يبيح التعدد وفيه ظلم للمرأة؟ لايمكن ذلك أبداً! لأن الله هو الذي خلق المرأة وهو أعلم بحالها ويعلم أن التعدد لا يضرها أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ [البقرة:140]. والله تعالى قد أباح التعدد لمصلحة المرأة في عدم حرمانها من الزواج، ولمصلحة الرجل بعدم تعطل منافعه، ولمصلحة الأمة بكثرة نسلها، فهو تشريع من حكيم خبير، لا يطعن فيه إلا من أعمى الله بصيرته بكفر أو نفاق أو عناد.

التعدد في المجتمعات الأخرى

لسنا لوحدنا الذين نرغب في التعدد ونطالب فيه، بل حتى الدول الكافرة بدأت الآن تطالب فيه وتدعوا إلى تطبيقه بعدما رأت ماحل بمجتمعاتها من فساد وانحراف نتيجة كثرة النساء فيه ومحاربتهم لتعدد الزوجات وسماحهم باتخاذ العشيقات حتى أثر ذلك على بعض مجتمعات تلك الدول فضعف نسلها وقلت مواليدها قلة تهدد بالانقراض، ونتيجة لذلك فقد صرح من يعرف شيئاً عن الديانة الإسلامية منهم بتمني الرجوع إلى تعاليمها المرضية وفضائلها الحقيقية ومنها التعدد، بل إن بعض المثقفات من نساء الأفرنج صرحن بتمني تعدد الزوجات للرجل الواحد لكي يكون لكل امرأة قيم وكفيل من الرجال تركن وتأوي إليه وليزول بذلك البلاء عنهم وتصبح بناتهم ربات بيوت وأمهات لأولاد شرعيين. ويقول الكاتب الإنجليزي "برتراندرسل": ( إن نظام الزواج بامرأة واحده وتطبيقه تطبيقاً صارماً قائم على افتراض أن عدد أعضاء الجنسين متساوٍ تقريباً، وما دامت الحالة ليست كذلك فإن في بقائه قسوة بالغة لأولئك اللاتي تضطرهن الظروف إلى البقاء عانسات ).

الأسباب الداعية إلى زواج التعدد

لا شك أن طريقة التعدد هي أقوم الطرق وأعدلها لأمور يعرفها العقلاء بعيداً عن العواطف والمجاملات منها:

1- أن الله أجرى العادة على أن الرجال أقل دائماً من النساء في كل احصائيات الدنيا تقريباً وأكثر تعرضاً للهلاك في جميع ميادين الحياة كالحروب وحوادث السيارات ونحو ذلك، مما يجعل دائماً عدد النساء أكثر من الرجال، فلو قصر الرجل على امرأة واحدة لبقي عدد كبير من الناس من غير زواج، فلربما يحصل بسبب ذلك وقوع شيء من الفواحش كما هو موجود الآن في كثير من البلاد الأجنبية الأخرى.

2- منها أيضاً أن الرجل قد يتزوج واحدة وهذه الواحدة لا تنجب وهو يريد الأولاد، أو قد يتزوج بإمرأة ثم تمرض مرضاً طويلاً فماذا يعمل الرجل حينها؟ هل يطلقها لأنها مريضة أو لأنها لا تنجب؟ أو يبقيها ويبقى هو مريضاً معها أو بدون أولاد؟ إنه إن طلقها لأحد هذه الأسباب فإن هذا من سوء العشرة وظلم للمرأة وإذا بقي هو معها على هذه الحال فهو ظلم له أيضاً، فالحل إذاً تبقى زوجة له معززة مكرمة ويتزوج بأخرى.

3- أيضاً فإن بعض النساء لاتريد الجنس لأن رغبتها محدودة وبعض الرجال رغبته الجنسية كبيرة، أو قد يكون الرجل ليس لديه ميلاً جنسياً قوياً لزوجته لسبب من الأسباب فماذا يعمل؟ هل يبقى محروماً من الحلال ومكبوتاً مراعاة لشعور زوجته الأولى، أو يذهب يبحث عن الحرام، أو يتزوج، أيهما أفضل وأصوب؟!

4- كذلك أيضاً فإن النساء دائماً مستعدات للزواج في أي وقت لأنه ليس عليهن تكاليف مادية أما كثير من الرجال فقد لا تكون له قدرة على متطلبات الزواج إلا بعد وقت طويل، فإذا كان كذلك فهل تتعطل النساء بدون زواج وهن جاهزات؟ إنه إن كان البعض لايجد مهراً فإن هناك من عنده القدرة على المهر ممن هو متزوج ويرغب بأخرى، فهل تتعطل المرأة لهذا السبب؟ إن هذا فيه ظلم كبير للمرأة.

أنانية المرأة

إننا إذا تكلمنا عن التعدد وطالبنا فيه فإننا نطالب بالتعدد بإمرأة مسلمة مسكينة عاطلة لم تجد زوجاً وتبحث عن نصف أو حتى ربع زوج، لكن بعض النساء المتزوجات لايرغبن ذلك، بل لسان حالهن يقول: اتركوها تجلس بدون زوج حتى لو كانت مسلمة، اتركوها تموت محرومة لا تأخذ مني زوجي، هذه هي الأنانية، هذا هو عدم الشعور بالرحمة للمسلمات، ذلك نتيجة العاطفة والرغبة القلبية دون نظر ولا اعتبار للمصالح الشرعية التي تضمنها التعدد. فهل من الخير أن تتمتع بعض النساء مع أزواجهن وتبقى الأغلبية محرومات من عطف الرجل والعائل؟ وماهي الجريمة التي ارتكبنها حتى يطبق عليهن هذا العقاب الصارم من أناس فقدوا العطف والرحمة، إنْ هذه إلا أنانية في النساء المتزوجات ومن يجاريهن من الرجال الأزواج الذين أسرتهم زوجاتهم فلا يدورون إلا في فلكهن ولا ينظرون إلى بمنظارهم، وإلا فما الذي يضير المرأة المتزوجة أن يضم إليها زوجها زوجة ثانية وثالثة ورابعة، مادام قادراً على النفقة عليهن والعدل بينهن في كل شيء؛ أهو حب الزوج وعدم القدرة على الصبر عنه وهي التي تصبر عنه أياماً طويلة في سفره وعند غيابه عن البيت؟! أهو التملك والاستئثار به؟ أم هو الحسد والأنانية فقط؟ لتتصور كل زوجه نفسها مكان المرأة المحرومة التي لم تجد زوجاً لتعرف مدى المعاناة التي تعانيها تلك المرأة المحرومة؟!

إن من الإنصاف والعدل والمساواة وتحكيم العقل أن تفكر المرأة في أختها من بني جنسها وفي مصيرها وواقعها المؤلم الذي تعيشه، وما فعلت ذنباً تستحق بموجبه هذه العقوبة القاسية وهي "حرمانها من الزوج والعائل والوالد" سوى أنها كانت ضحية أختها المتزوجة وأنانيتها!!

فضلاً عن المخاطر والمفاسد التي قد تنشأ من بقائها بلا زوج ولا معيل إذ قد تضطرها الظروف وتلجئها الحاجة إلى ارتكاب الإثم والفاحشة فتهدر بذلك كرامتها وتضيع إنسانيتها وتبيع بُضعها بأرخص الأثمان على مذبح الفاقة والحاجة؟!

العدل بين الزوجات

العدل من أوجب الواجبات وقد أمر الله - عز وجل - به في قوله تعالى إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [النحل:90] فيجب على المسلم أن يتحرى العدل في جميع شئونه الدينية والدنيوية، والعدل بين الزوجات كما هو معلوم أمر أساسي يوجب على الزوج أن يعطي كل ذات حق حقها متأسياً برسول الله الذي هو أعدل الناس في كل شيء ولا سيما بين زوجاته.

وما يحصل الآن من ممارسات سيئة من قبل بعض الأزواج المعددين ينبغي أن لا تحسب على التعدد وإنما تحسب عليهم وحدهم وهؤلاء هم الذين أساءوا للتعدد وجعلوا منه بعبعاً مخيفاً لكثير من النساء. لأن الرجل لو عدل بين زوجاته لسعدن بذلك ولانتفت المشاكل، فأكثر النساء يكرهن التعدد لأن أزواجهن لم يعدلوا معهن، فالخطأ ليس بالتشريع وإنما الخطأ في التطبيق، ولو أن الرجال إذا تزوجوا عدلوا لاستقامت الحياة وقلة المشاكل ورضي الجميع ولربما دعت النساء إلى التعدد.

وإذا كان هناك من لا يعدل بين زوجاته فهذه قضية تحتاج إلى علاج يستأصل الداء ويداوي السقم، لكن استئصال الداء لا يكون بمنع التعدد الذي فيه الكثير من الفوائد.

وهل يقول عاقل بالغاء التعامل بين الناس تجنباً للمشكلات التي يقوم بها البعض ممن فسدت أخلاقهم وفقدوا السجايا الحميدة، وإذا كانت إساءة قسم من هؤلاء الجهلة قد تحققت في أمر تعدد الزوجات فإن هذه الإساءة لاتعد شيئاً يذكر إذا نظرنا إلى الفوائد العظيمة التي نجنيها من هذا النظام وإلى المفاسد الكبيرة التي تنجم عن تركه.

الطعن في التعدد ردة عن الإسلام

لقد أجمع علماء المسلمين عن ردة من أنكر شيئاً من كتاب الله أو كرهه، وهؤلاء الذين ينكرون زواج التعدد أو يرون فيه ظلماً أو هضماً للمرأة أو يكرهون هذا التشريع لاشك في كفرهم ومروقهم من الدين لقوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد:9]. لذا فإننا نحذر هؤلاء المتلاعبين، كما نخاف على أولئك الذين يشوهون قضية التعدد ويخوفون الناس منها، ويتحدثون كثيراً عن سلبياتها دون الإيجابيات.

همس في أذن كل زوجة

نحن لا نطالب من المرأة أن لا تغار على زوجها وترضى أن زوجة أخرى تشاركها فيه فذاك أمر طبيعي وفطري لايمكن سلامة النفوس منه، لكن ما نريده من الزوجة الأولى هو أن لا تدفعها هذه الغيرة الغريزية إلى أن تقف أمام رغبة الزوج في الزواج من أخرى أو المكر والكيد بشتى الوسائل لتحقيق إخفاق هذا الزواج والضغط على الزوج ليطلق الأخرى، أو التصرف بطريقة تجبر الزوجة الأخرى على الإحساس بأنها متطفلة، وأنها قد سرقت زوجاً من زوجته وأباً من أطفاله وبيته مما يدفعها إلى الانسحاب وطلب الطلاق أو الشعور بالخزي بسبب موافقتها على الزواج من متزوج، كذلك ينبغي أن تعرف كل واحدة حدود ما أباح الله وأن تحذر تعدي هذه الحدود متعذرة بما فطرها عليه من خصال الأنوثة، ولتكن الغيرة الفطرية أيتها الأخت "الزوجة الأولى" دافعاً لك لارضاء الله أولاً ثم إرضاء الزوج ثانياً بموافقته والابتعاد عما يثير غضبه وحزنه كي تستأثري بمودته وحبه ورحمته، فأنت بزواجك منه لم تمتلكيه إلى الأبد، أما اتخاذ المواقف المناقضة لذلك والمنافية للشرع وادعاء المحبة للزوج فلا تعود عليك إلا بخلافات زوجية لا تنتهي وحياة أسرية قلقة لا تستقر، وخنق للزوج وإثارة لحفيظته وإيغار لصدره، وكل ذلك ينحت من الحب المستقر في القلب ويضفي على المودة والرحمة ظلالاً قائمة ويحيل السكن إلى بيت للعنكبوت، ولك في أمهات المؤمنين زوجات النبي والصحابيات الجليلات أكبر قدوة في ذلك. فقد عدد النبي وكذلك الخلفاء الراشدون وعدد كبير من الصحابة ولم يعلم عن أحد من تلك النساء غضب أو اعتراض على التعدد أو كره له أو هروب من المنزل أو طلب للطلاق بسببه كما هو الحال عند بعض نساء هذا الزمن ممن قل علمهن وضعف إيمانهن.

ضرورة تأصيل موضوع التعدد والترغيب فيه

مما تقدم يتبين لنا أهمية زواج التعدد وحاجة المجتمع إليه وضرورة الاهتمام به والكتابة عنه كثيراً وتعاون الجميع لتأصيله والترغيب به رجاء تصحيح ماراج بين المسلمين من تصور خاطيء عن تعدد الزوجات واعتباره عند البعض ظلماً للمرأة وهضماً لحقها وخيانة لها، لاسيما والحاجة اليوم ماسة لذلك وغداً ستكون أشد حاجة.

وهناك ثلاث جهات تقريباً هي التي تستطيع بإذن الله تبني هذا الموضوع واحتوائه والتوعية به والدعوة إليه وهي:

1- وسائل الإعلام: بجميع مجالاتها وذلك بالكتابه عنه وإعداد الدراسات والندوات التي تعالج هذا الموضوع، وأيضاً رفض ومقاطعة كل ما يتعارض معه من خلال ما يكتب في الصحف أو يعرض في المسلسلات والأفلام ونحوها.

2- الرئاسة العامة لتعليم البنات: وذلك بإدارج هذا الموضوع ضمن المناهج الدراسية في المراحل المتقدمة وجعله ضمن إحدى المواد الإسلامية لكي تتعرف الطالبات على أهميته وفوائده وينشأن على عدم كراهيته والخوف منه.

3- أئمة المساجد: وذلك بالحديث عنه وعن فوائده وعن حاجة بعض النساء إليه في خطب الجمعة وفي الأحاديث اليومية بين حين وآخر، أو في أحاديث رمضان عندما يكون هناك حضوراً نسائياً كبيراً.

فإنها إذا تضافرت الجهود وتعاون الجميع في هذا الموضوع فإنه سيصبح - بإذن الله - أمراً عادياً ومألوفاً بين الناس كما كان في المجتمعات السابقة فيسهل بذلك تعدد الزوجات وتخف وطأته على النساء، وتتحصن المحرومات ويُقضى على العوانس والأرامل والمطلقات ويسعد الجميع بإذن الله.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضى والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.

عدد الزيارات
7486

مقالات مشابهة

إضافة تعليق
اسمك :
الإيميل :
رمز التحقق ، أدخل الأرقام الظاهرة :